هل تربية الكلاب محرمة أم حلال و ما هي الشروط التي يجب توافرها لاقتناء الكلاب أرجوا الإدلال بحديث أو آية من القرآن الكريم .
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
الكلب والاقتناء(1)
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أمْسَكَ كَلْباً فَإنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أوْ مَاشِيَةٍ. رواه البخاري [5/6] و مسلم [10/240].
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أوْ صَيْدٍ أوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ. رواه مسلم [10/240].
3- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنِ اقْتَنَى كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ ضَارِياً(2) نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ.
رواه البخاري [9/759)ومسلم [10/237].ولمسلم [10/241]: مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ زَرْعٍ (3) أوْ غَنَمٍ أوْ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ.
4- عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أوْ كَلْبَ غَنَمٍ أوْ كَلْبَ زَرْعٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ.
رواه الترمذي [4/80]و النسائي [7/185]و ابن ماجه [2/1069]، وحسَّنه الترمذي.
فوائد الأحاديث:
1- تحريم اقتناء الكلاب لغير ما وردتْ به النصوصُ السابقةُ،لأنَّ نقصان الأجر لا يكون إلا لمعصيةٍ ارتكبها المـُقتني.
2- وقال بعض العلماء - كابن عبد البر- بالكراهة، ووجّه ذلك بقوله: (وفي قوله: (نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ)
-أي: من أجر عمله -ما يشير إلى أنَّ اتخاذها ليس بمحرَّمٍ ، لأنَّ ما كان اتخاذه محرماً امتنع اتخاذه على كلِّ حالٍ سواء نقص الأجر أو لم ينقص، فدلَّ ذلك على أنَّ اتخاذها مكروه لا حرام!! ا.هـ (التمهيد [14/221]).
وردَّ عليه الحافظ ابن حجر فقال: وما ادَّعاه من عدم التحريم واستند له بما ذكره ليس بلازمٍ ، بل يحتمل أنْ تكون العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ الكلب.
ويحتمل أن يكون الاتخاذ حراماً، والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازي قدر قيراط أو قيراطين من أجر فينقص من ثواب المتَّخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان.ا.هـ. (الفتح [5/8]).
3- هل يجوز اقتناء الكلب لغير ما سبق؟
قال الإمام النووي :
اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة. ا.هـ(4).
وقال ابن عبد البر:
وفي معنى هذا الحديث -أي: حديث ابن عمر- تدخل -عندي- إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها ودفع المضار إذا احتاج الإنسان إلى ذلك.ا.هـ (التمهيد [14/219]).
وقال ابن حجر:
والأصح عند الشافعيَّة: إباحة اتَّخاذ الكلاب لحفظ الدروب، إلحاقاً بالمنصوص بما في معناه كما أشار إليه ابن عبد البر. ا.هـ (الفتح [5/8]).
وقال الشيخ يوسف بن عبد الهادي -ناقلاً عن بعض العلماء-: لا شك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن في كلب الصيد في أحاديثَ متعدِّدَةٍ ، وأخبر أنَّ متَّخذَه للصيد لا ينقص مِن أجره، وأذِن في حديثٍ آخر في كلـبِ الماشية، وفي حديثٍ في كلب الغنم ، وفي حديثٍ في كلب الزرع، فعُلم أنَّ العلَّة المقتضية لجواز الاتخاذ المصلحة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجدت المصلحة جاز الاتخاذ، حتى إنّ َ بعضَ المصالح أهمُّ وأعظمُ مِن مصلحة الزرع، وبعض المصالح مساوية للتي نصَّ الشارع عليها، ولا شك أنَّ الثمار هي في معنى الزرع، والبقر في معنى الغنم، وكذلك الدجاج والأوز -لدفع الثعالب عنها- هي في معنى الغنم. ولا شك أنَّ خوفَ اللصوص على النَّفس، واتخاذه للإنذار بـها والاستيقاظ لها أعظم مصلحة من ذلك ، والشارع مراعٍ للمصالح ودفع المفاسد، فحيث لم تكن فيه مصلحةٌ ففيه مفسدة ... ا.هـ (الإغراب في أحكام الكلاب [ص106-107]).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
وعلى هذا فالمنـزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث. ا.هـ(5).
4 - وهل يجوز اقتناء الكلب للدلالة على المخدرات أو لاكتشاف السارق؟
قال الشيخ ابن عثيمين:
لا بأس بذلك وهو أولى من الحرث والصيد.ا.هـ (شرح زاد المستقنع باب الوصايا [شريط 3]).
وقال المحققان لكتاب (الإغراب): ومِن المصالح الراجحة استخدام الكلاب في العثور على المخدرات والأسلـحة والمجرمين في وقتنا الحاضر، وهي ما يسمَّى بـ (الكلاب البوليسية) فإنَّ فيها مصالحَ عظيمةً ، فَكَمْ عُثِرَ على المخدرات ونحوها عن طريقها، فمصلحتها أعظم مِن مصلحة الصيد أو الحرث أو الماشية ، لأنَّها مصلحة عامة للمجتمع، والله أعلم. ا.هـ (الإغراب في أحكام الكلاب [ص106]).
5- يستثنى من جواز اقتناء كلب الصيد ونحوه ما إذا كان أسود بهيماً- أو ذا نقطتين- لأنَّه مأمورٌ بقتله، فلا يحل اقتناؤُه ولا تعليمُه ولا الاصطيادُ به.
قال الإمام أحمد بن حنبل: ما أعلم أحداً أرخص في أكل ما قَتَل الكلبُ الأسودُ مِن الصيد(6).
قلت: وهو قول قتادة والحسن البصري وإبراهيم النخعي وإسحاق بن راهويه وابن حزم(7).
6- لو أراد اتخاذ كلب ليصطاد به فيما بعد، أو ليحفظ الزرع والماشية إذا صار له ذلك، فهل يجوز له الاقتناء؟.
قال العراقي:
فيه وجهان، أصحهما: الجواز(8)، وهو مقتضى قوله في الحديث (إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ)، فإنَّه بهذه الصفة، وإنْ لم يصطد به في الحال.ا.هـ (طرح التثريب [6/28]).
7- هل يجوز أنْ يقتني كلباً لا يحسن الصيد، لكن لقصد تعليمه ؟
قال العراقي:
إنْ كان كبيراً جاز، وإنْ كان جرواً يُرَبَّى ثم يعلَّم ففيه وجهان، أصحهما: الجواز(9) أيضاً- واستُدِلَّ له بالحديث-
لأنَّ هذا كلب صيد في المآل، ولو منع ذلك لتعذر اتخاذ كلاب الصيد فإنَّه لا يتَأتَّى تعليمُها إلا مع اقتنائها.ا.هـ (طرح التثريب [6/28-29]).
8- ما هو سبب نقصان الأجر؟
قال الحافظ ابن حجر:
أ- قيل: لامتناع الملائكة مِن دخول بيته.
ب- وقيل: لما يلحق المارِّين مِن الأذى.
جـ- وقيل: لأنَّ بعضها شياطين.
د- وقيل: عقوبة لمخالفة النهي.
هـ- وقيل: لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها، فربما يتنجس الطاهر منها، فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطهارة. ا.هـ (الفتح [5/8]).
9- كيف نوفِّق بين رواية (القيراط) و (القيراطان) ؟
قال الحافظ العيني:
أ- يجوز أنْ يكونا في نوعين مِن الكلاب، أحدُهما أشدُّ إيذاءً.
ب- وقيل: القيراطان في المدن والقرى، والقيراط في البوادي.
جـ- وقيل: هما في زمانين، ذكر القيراط أولاً، ثم زاد التغليظ، فذكر القيراطين. ا.هـ (عمدة القاري [12/158]).
10- قال الحافظ:
استُدلَّ به - أي: حديث أبي هريرة- على طهارة الكلب الجائز اتخاذه، لأنَّ في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة، فالإذن في اتخاذه إذن في مكملات مقصوده، كما أنَّ المنع من لوازمه مناسبٌ للمنع منه، وهو استدلالٌ قويٌّ لا يعارضه إلا عمومُ الخبر الوارد في الأمر من غسل ما ولغ فيه الكلب من غير تفصيلٍ ، وتخصيص العموم غير مستنكرٍ إذا سوَّغه الدليل.ا.هـ (الفتح [5/8-9]).والمقصود - عند ابن عبد البر - طهارة الإناء .
قلت: وهذا الاستدلال مرجوحٌ من وجوه ثلاثةٍ ذكرها الحافظ نفسه، نذكرها في باب (الكلب في الطهارة)
تحت الفائدة السابعة إن شاء الله.
11- هل نقصُ الأجر مِن عمل ذلك اليوم أو من مجموع عمله؟
قال الشيخ يوسف بن عبد الهادي: وقد اختلف في معنى ذلك هل هو مِن مجموع العمل الذي عمله فيما تقدم، أو عمل ذلك اليوم، أي ينقص مِن عمل يومه الذي كان مقتنياً للكلب فيه قيراط؟ فمنهم مَن قال: مِن عمل ذلك اليوم.
ومنهم مَن قال مِن مجموع عمله وكون المراد مِن عمل اليوم الذي اقتنى فيه الكلب أظهر، وإن عمل يوم اقتنائه بكثرة.ا.هـ (الإغراب في أحكام الكلاب [ص119]).
12- هل ينقصُ الأجرُ مِن صاحب البيت أو مِن كلِّ واحدٍ منهم؟
جاء في سنن الترمذي: قوله صلى الله عليه وسلم (وَمَا مِنْ أهْلِ بَيْتٍ يَرْتَبِطُونَ كَلْباً إِلاَّ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ) قال الترمذي : هذا حديثٌ حسنٌ (السنن [5/56] تحفة الأحوذي).
والظاهر -عندي- أنَّ الأجرَ ينقص مِن كل مَن يملك إخراج الكلب مِن المنـزل دون مَن عداه، لأنَّ مَن ملك إخراجه فلم يفعل كان في حكم المقتني. والله أعلم.
13- إذا اقتنى أهلُ بيتٍ كلُّ واحد منهم كلباً، هل ينقص مِن أجورهم بعدد الكلاب، أم كل واحدٍ بكلبه؟
قال ابن عبد الهادي رحمه الله: والأمر يحتمل!! ا.هـ (الإغراب في أحكام الكلاب [ص204]). قلت: والتفصيل السابق- عند النقطة (12) - يتعلق بهذا السؤال كذلك.
14- قال الحافظ:
وفي الحديث(10):
أ- الحث على تكثير الأعمال الصالحة.
ب- والتحذير من العمل بما ينقصها.
جـ- والتنبيه على أسباب الزيادة فيها والنقص منها لتُجتنب أو تُرتكب.
د- وبيان لطف الله تعالى بخلقه في إباحة ما لهم به نفع.
هـ- وتبليغ نبِيِّهم صلى الله عليه وسلم لهم أمور معاشهم ومعادهم.
و- وفيه: ترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة لوقوع استثناء ما ينتفع به مما حرم اتخاذه. ا.هـ (الفتح [5/9]).
تتمة:
أ- ولا يجوز لمن اقتنى كلباً مباحاً أنْ يعلِّق في عنقه جرساً، وذلك لحديث أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه قال:
فَأرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً لاَ تَبقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ - أوْ قِلاَدَةٌ - إِلاَّ قُطِعَتْ. رواه البخاري [6/174] ومسلم [14/95].
وقد جاء في تفسير هذا النهي ثلاثة أقوال:
الأول: أنَّهم كانوا يضعون الأوتار في أعناق الإبل لئلا تصاب بالعَيْن بزعمهم فنهاهم عن ذلك إعلاماً بأنَّ الأوتار لا تردُّ مِن أمر الله شيئاً، وهو قول الإمام مالك.
والثانـي: لئلا تختنق الدابة عند الركض، وهو قول محمد بن الحسن وأبي عبيد.
والثالث: لأنهم كانـوا يعلقون فيها الأجراس وهو ما يدل عليه تبويب البخاري(11)، وهو قول الخطابي وابن حبان وبوَّب عليه في صحيحه [10/552]: ذكر البيان بأنَّ الأمر بقطع قلائد الأوتار عن أعناق الدواب إنما أمر بذلك من أجل الأجراس التي كانت فيها(12).
قلت: ولا مانع مِن حمل الحديث على كلِّ المعاني التي ذكرها الأئمة. ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك، فلعلَّ التقييد بـها في الترجمة للغالب. وهو قول ابن حجر وابن حبان رحمهما الله.
انظر: (صحيح ابن حبان [10/551])و(شرح مسلم [14/95])و(الفتح [6/175]).
ب- ولا يجوز لمن جاز له الاقتناء أنْ يسافر به، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لاَ تَصْحَبِ الملائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلاَ جَرَسٌ. رواه مسلم [14/94].
قال النووي رحمه الله: أما فقه الحديث ففيه كراهة استصحاب الكلب والجرس في الأسفار وأنَّ الملائكة لا تصحب رُفقةً فيها أحدهما، والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار لا الحفظة. ا.هـ (شرح مسلم [14/95]).
جـ- فإن كانت قافلةً كبيرةً كركبِ الحجاج ونحوهم، ومع واحدٍ منهم كلبٌ، فهل يكون عدم صحبة الملائكة مختصاً بأصحاب الكلب أو بالجميع؟
قال ابن عبد الهادي رحمه الله: يحتمل قولين …ا.هـ (الإغراب [ص216]).
قلت: والأقرب أنَّ الذي يُحرَم صحبة الملائكة هو الذي معه الكلب، وأما الباقي فلا علاقة لهم بفعله المحرم هذا، لاسيما إذا كان في قافلةٍ أو طائرةٍ أو باخرةٍ، فإنَّ الإنسان في كثيرٍ مِن أحيانه يَحرُم عليه السفر مَعَ مَن معه حتى لو لم يكن معهم كلاب،لكن الضرورة تدعو لذلك السفر، فإنَّ بعضهم يكون السفر مع الكلاب أقلَّ حرمةً مِن السفر معهم!! فالإثم عليهم في شرب الخمر أو التبرج أو سفرهم إلى معصية أو صحبتهم كلابهم دونه. والله أعلم.
د- قال ابن قدامة - رحمه الله - : ومَن اقتنى كلباً ثم ترك الصيد مدةً وهو يريد العود إليه لم يحرم اقتناؤه في مدة تركه لأنَّ ذلك لا يمكن التحرز منه ، وكذلك لو حصد صاحب الزرع زرعه أبيح له إمساك الكلب إلى أن يزرع زرعا آخر ، ولو هلكت ماشيته فأراد شراء غيرها فله إمساك كلبها لينتفع به في التي يشتريها .أ.هـ(المغني[4/326]).
والله أعلم. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاقتناء: من اقتنى يقال: قناه يقنوه واقتناه: إذا اتخذه لنفسه دون البيع ومنه: القنية وهي: ما اقتنـي من شاة أو ناقة أو غيرهما. عمدة القاري [12/157].
(2) الضاري من الكلاب: ما يهيج بالصيد. قال الحافظ: ضار الكلب وأضراه صاحبه: أي: عوده وأغراه بالصيد.
(3) وهذه الزيادة في حديث ابن عمر تردُّ على من ادَّعى أنَّ ابن عمر أنكرها.
وقد وافق أبا هريرة وابنَ عمر سفيانُ بن أبي زهير الصحابي فقد سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص كل يوم من عمله قيراط) رواه البخاري [5/6]و مسلم [10/241].
وقال النووي: ولو انفرد بـها - أي: أبو هريرة -لكانتْ مقبولةً مرضيَّةً مكرَّمةً. شرح مسلم [10/236].
(4) شرح مسلم [10/236].وأيده ولي الدين العراقي في طرح التثريب [6/28].
(5) مجموع فتاوى ابن عثيمين [4/246].
(6) قال ابن حزم: وقد أدرك أحمد من أهل العلم كثيراً. المحلى [6/174].
(7) انظر طرح التثريب [6/29] و المحلى [6/174].
(8) ورجّحه النووي في المجموع [9/279].
(9) ورجّحه النووي في المجموع [9/279] وابن قدامة في المغني [6/357] وابن عبد الهادي في الإغراب [ص211].
(10) وهذه الفوائد تصلح لجميع الأحاديث التي في الباب.
(11) قال البخاري: باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل.
(12) ويرجِّح هذا التفسير حديث: الجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ . رواه مسلم [14/94]، وكذا الحديث الآتي في (ب).
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
الكلب والاقتناء(1)
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أمْسَكَ كَلْباً فَإنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أوْ مَاشِيَةٍ. رواه البخاري [5/6] و مسلم [10/240].
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أوْ صَيْدٍ أوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ. رواه مسلم [10/240].
3- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنِ اقْتَنَى كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ ضَارِياً(2) نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ.
رواه البخاري [9/759)ومسلم [10/237].ولمسلم [10/241]: مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ زَرْعٍ (3) أوْ غَنَمٍ أوْ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ.
4- عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أوْ كَلْبَ غَنَمٍ أوْ كَلْبَ زَرْعٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ.
رواه الترمذي [4/80]و النسائي [7/185]و ابن ماجه [2/1069]، وحسَّنه الترمذي.
فوائد الأحاديث:
1- تحريم اقتناء الكلاب لغير ما وردتْ به النصوصُ السابقةُ،لأنَّ نقصان الأجر لا يكون إلا لمعصيةٍ ارتكبها المـُقتني.
2- وقال بعض العلماء - كابن عبد البر- بالكراهة، ووجّه ذلك بقوله: (وفي قوله: (نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ)
-أي: من أجر عمله -ما يشير إلى أنَّ اتخاذها ليس بمحرَّمٍ ، لأنَّ ما كان اتخاذه محرماً امتنع اتخاذه على كلِّ حالٍ سواء نقص الأجر أو لم ينقص، فدلَّ ذلك على أنَّ اتخاذها مكروه لا حرام!! ا.هـ (التمهيد [14/221]).
وردَّ عليه الحافظ ابن حجر فقال: وما ادَّعاه من عدم التحريم واستند له بما ذكره ليس بلازمٍ ، بل يحتمل أنْ تكون العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ الكلب.
ويحتمل أن يكون الاتخاذ حراماً، والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازي قدر قيراط أو قيراطين من أجر فينقص من ثواب المتَّخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان.ا.هـ. (الفتح [5/8]).
3- هل يجوز اقتناء الكلب لغير ما سبق؟
قال الإمام النووي :
اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة. ا.هـ(4).
وقال ابن عبد البر:
وفي معنى هذا الحديث -أي: حديث ابن عمر- تدخل -عندي- إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها ودفع المضار إذا احتاج الإنسان إلى ذلك.ا.هـ (التمهيد [14/219]).
وقال ابن حجر:
والأصح عند الشافعيَّة: إباحة اتَّخاذ الكلاب لحفظ الدروب، إلحاقاً بالمنصوص بما في معناه كما أشار إليه ابن عبد البر. ا.هـ (الفتح [5/8]).
وقال الشيخ يوسف بن عبد الهادي -ناقلاً عن بعض العلماء-: لا شك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن في كلب الصيد في أحاديثَ متعدِّدَةٍ ، وأخبر أنَّ متَّخذَه للصيد لا ينقص مِن أجره، وأذِن في حديثٍ آخر في كلـبِ الماشية، وفي حديثٍ في كلب الغنم ، وفي حديثٍ في كلب الزرع، فعُلم أنَّ العلَّة المقتضية لجواز الاتخاذ المصلحة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجدت المصلحة جاز الاتخاذ، حتى إنّ َ بعضَ المصالح أهمُّ وأعظمُ مِن مصلحة الزرع، وبعض المصالح مساوية للتي نصَّ الشارع عليها، ولا شك أنَّ الثمار هي في معنى الزرع، والبقر في معنى الغنم، وكذلك الدجاج والأوز -لدفع الثعالب عنها- هي في معنى الغنم. ولا شك أنَّ خوفَ اللصوص على النَّفس، واتخاذه للإنذار بـها والاستيقاظ لها أعظم مصلحة من ذلك ، والشارع مراعٍ للمصالح ودفع المفاسد، فحيث لم تكن فيه مصلحةٌ ففيه مفسدة ... ا.هـ (الإغراب في أحكام الكلاب [ص106-107]).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
وعلى هذا فالمنـزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث. ا.هـ(5).
4 - وهل يجوز اقتناء الكلب للدلالة على المخدرات أو لاكتشاف السارق؟
قال الشيخ ابن عثيمين:
لا بأس بذلك وهو أولى من الحرث والصيد.ا.هـ (شرح زاد المستقنع باب الوصايا [شريط 3]).
وقال المحققان لكتاب (الإغراب): ومِن المصالح الراجحة استخدام الكلاب في العثور على المخدرات والأسلـحة والمجرمين في وقتنا الحاضر، وهي ما يسمَّى بـ (الكلاب البوليسية) فإنَّ فيها مصالحَ عظيمةً ، فَكَمْ عُثِرَ على المخدرات ونحوها عن طريقها، فمصلحتها أعظم مِن مصلحة الصيد أو الحرث أو الماشية ، لأنَّها مصلحة عامة للمجتمع، والله أعلم. ا.هـ (الإغراب في أحكام الكلاب [ص106]).
5- يستثنى من جواز اقتناء كلب الصيد ونحوه ما إذا كان أسود بهيماً- أو ذا نقطتين- لأنَّه مأمورٌ بقتله، فلا يحل اقتناؤُه ولا تعليمُه ولا الاصطيادُ به.
قال الإمام أحمد بن حنبل: ما أعلم أحداً أرخص في أكل ما قَتَل الكلبُ الأسودُ مِن الصيد(6).
قلت: وهو قول قتادة والحسن البصري وإبراهيم النخعي وإسحاق بن راهويه وابن حزم(7).
6- لو أراد اتخاذ كلب ليصطاد به فيما بعد، أو ليحفظ الزرع والماشية إذا صار له ذلك، فهل يجوز له الاقتناء؟.
قال العراقي:
فيه وجهان، أصحهما: الجواز(8)، وهو مقتضى قوله في الحديث (إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ)، فإنَّه بهذه الصفة، وإنْ لم يصطد به في الحال.ا.هـ (طرح التثريب [6/28]).
7- هل يجوز أنْ يقتني كلباً لا يحسن الصيد، لكن لقصد تعليمه ؟
قال العراقي:
إنْ كان كبيراً جاز، وإنْ كان جرواً يُرَبَّى ثم يعلَّم ففيه وجهان، أصحهما: الجواز(9) أيضاً- واستُدِلَّ له بالحديث-
لأنَّ هذا كلب صيد في المآل، ولو منع ذلك لتعذر اتخاذ كلاب الصيد فإنَّه لا يتَأتَّى تعليمُها إلا مع اقتنائها.ا.هـ (طرح التثريب [6/28-29]).
8- ما هو سبب نقصان الأجر؟
قال الحافظ ابن حجر:
أ- قيل: لامتناع الملائكة مِن دخول بيته.
ب- وقيل: لما يلحق المارِّين مِن الأذى.
جـ- وقيل: لأنَّ بعضها شياطين.
د- وقيل: عقوبة لمخالفة النهي.
هـ- وقيل: لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها، فربما يتنجس الطاهر منها، فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطهارة. ا.هـ (الفتح [5/8]).
9- كيف نوفِّق بين رواية (القيراط) و (القيراطان) ؟
قال الحافظ العيني:
أ- يجوز أنْ يكونا في نوعين مِن الكلاب، أحدُهما أشدُّ إيذاءً.
ب- وقيل: القيراطان في المدن والقرى، والقيراط في البوادي.
جـ- وقيل: هما في زمانين، ذكر القيراط أولاً، ثم زاد التغليظ، فذكر القيراطين. ا.هـ (عمدة القاري [12/158]).
10- قال الحافظ:
استُدلَّ به - أي: حديث أبي هريرة- على طهارة الكلب الجائز اتخاذه، لأنَّ في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة، فالإذن في اتخاذه إذن في مكملات مقصوده، كما أنَّ المنع من لوازمه مناسبٌ للمنع منه، وهو استدلالٌ قويٌّ لا يعارضه إلا عمومُ الخبر الوارد في الأمر من غسل ما ولغ فيه الكلب من غير تفصيلٍ ، وتخصيص العموم غير مستنكرٍ إذا سوَّغه الدليل.ا.هـ (الفتح [5/8-9]).والمقصود - عند ابن عبد البر - طهارة الإناء .
قلت: وهذا الاستدلال مرجوحٌ من وجوه ثلاثةٍ ذكرها الحافظ نفسه، نذكرها في باب (الكلب في الطهارة)
تحت الفائدة السابعة إن شاء الله.
11- هل نقصُ الأجر مِن عمل ذلك اليوم أو من مجموع عمله؟
قال الشيخ يوسف بن عبد الهادي: وقد اختلف في معنى ذلك هل هو مِن مجموع العمل الذي عمله فيما تقدم، أو عمل ذلك اليوم، أي ينقص مِن عمل يومه الذي كان مقتنياً للكلب فيه قيراط؟ فمنهم مَن قال: مِن عمل ذلك اليوم.
ومنهم مَن قال مِن مجموع عمله وكون المراد مِن عمل اليوم الذي اقتنى فيه الكلب أظهر، وإن عمل يوم اقتنائه بكثرة.ا.هـ (الإغراب في أحكام الكلاب [ص119]).
12- هل ينقصُ الأجرُ مِن صاحب البيت أو مِن كلِّ واحدٍ منهم؟
جاء في سنن الترمذي: قوله صلى الله عليه وسلم (وَمَا مِنْ أهْلِ بَيْتٍ يَرْتَبِطُونَ كَلْباً إِلاَّ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ) قال الترمذي : هذا حديثٌ حسنٌ (السنن [5/56] تحفة الأحوذي).
والظاهر -عندي- أنَّ الأجرَ ينقص مِن كل مَن يملك إخراج الكلب مِن المنـزل دون مَن عداه، لأنَّ مَن ملك إخراجه فلم يفعل كان في حكم المقتني. والله أعلم.
13- إذا اقتنى أهلُ بيتٍ كلُّ واحد منهم كلباً، هل ينقص مِن أجورهم بعدد الكلاب، أم كل واحدٍ بكلبه؟
قال ابن عبد الهادي رحمه الله: والأمر يحتمل!! ا.هـ (الإغراب في أحكام الكلاب [ص204]). قلت: والتفصيل السابق- عند النقطة (12) - يتعلق بهذا السؤال كذلك.
14- قال الحافظ:
وفي الحديث(10):
أ- الحث على تكثير الأعمال الصالحة.
ب- والتحذير من العمل بما ينقصها.
جـ- والتنبيه على أسباب الزيادة فيها والنقص منها لتُجتنب أو تُرتكب.
د- وبيان لطف الله تعالى بخلقه في إباحة ما لهم به نفع.
هـ- وتبليغ نبِيِّهم صلى الله عليه وسلم لهم أمور معاشهم ومعادهم.
و- وفيه: ترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة لوقوع استثناء ما ينتفع به مما حرم اتخاذه. ا.هـ (الفتح [5/9]).
تتمة:
أ- ولا يجوز لمن اقتنى كلباً مباحاً أنْ يعلِّق في عنقه جرساً، وذلك لحديث أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه قال:
فَأرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً لاَ تَبقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ - أوْ قِلاَدَةٌ - إِلاَّ قُطِعَتْ. رواه البخاري [6/174] ومسلم [14/95].
وقد جاء في تفسير هذا النهي ثلاثة أقوال:
الأول: أنَّهم كانوا يضعون الأوتار في أعناق الإبل لئلا تصاب بالعَيْن بزعمهم فنهاهم عن ذلك إعلاماً بأنَّ الأوتار لا تردُّ مِن أمر الله شيئاً، وهو قول الإمام مالك.
والثانـي: لئلا تختنق الدابة عند الركض، وهو قول محمد بن الحسن وأبي عبيد.
والثالث: لأنهم كانـوا يعلقون فيها الأجراس وهو ما يدل عليه تبويب البخاري(11)، وهو قول الخطابي وابن حبان وبوَّب عليه في صحيحه [10/552]: ذكر البيان بأنَّ الأمر بقطع قلائد الأوتار عن أعناق الدواب إنما أمر بذلك من أجل الأجراس التي كانت فيها(12).
قلت: ولا مانع مِن حمل الحديث على كلِّ المعاني التي ذكرها الأئمة. ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك، فلعلَّ التقييد بـها في الترجمة للغالب. وهو قول ابن حجر وابن حبان رحمهما الله.
انظر: (صحيح ابن حبان [10/551])و(شرح مسلم [14/95])و(الفتح [6/175]).
ب- ولا يجوز لمن جاز له الاقتناء أنْ يسافر به، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لاَ تَصْحَبِ الملائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلاَ جَرَسٌ. رواه مسلم [14/94].
قال النووي رحمه الله: أما فقه الحديث ففيه كراهة استصحاب الكلب والجرس في الأسفار وأنَّ الملائكة لا تصحب رُفقةً فيها أحدهما، والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار لا الحفظة. ا.هـ (شرح مسلم [14/95]).
جـ- فإن كانت قافلةً كبيرةً كركبِ الحجاج ونحوهم، ومع واحدٍ منهم كلبٌ، فهل يكون عدم صحبة الملائكة مختصاً بأصحاب الكلب أو بالجميع؟
قال ابن عبد الهادي رحمه الله: يحتمل قولين …ا.هـ (الإغراب [ص216]).
قلت: والأقرب أنَّ الذي يُحرَم صحبة الملائكة هو الذي معه الكلب، وأما الباقي فلا علاقة لهم بفعله المحرم هذا، لاسيما إذا كان في قافلةٍ أو طائرةٍ أو باخرةٍ، فإنَّ الإنسان في كثيرٍ مِن أحيانه يَحرُم عليه السفر مَعَ مَن معه حتى لو لم يكن معهم كلاب،لكن الضرورة تدعو لذلك السفر، فإنَّ بعضهم يكون السفر مع الكلاب أقلَّ حرمةً مِن السفر معهم!! فالإثم عليهم في شرب الخمر أو التبرج أو سفرهم إلى معصية أو صحبتهم كلابهم دونه. والله أعلم.
د- قال ابن قدامة - رحمه الله - : ومَن اقتنى كلباً ثم ترك الصيد مدةً وهو يريد العود إليه لم يحرم اقتناؤه في مدة تركه لأنَّ ذلك لا يمكن التحرز منه ، وكذلك لو حصد صاحب الزرع زرعه أبيح له إمساك الكلب إلى أن يزرع زرعا آخر ، ولو هلكت ماشيته فأراد شراء غيرها فله إمساك كلبها لينتفع به في التي يشتريها .أ.هـ(المغني[4/326]).
والله أعلم. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاقتناء: من اقتنى يقال: قناه يقنوه واقتناه: إذا اتخذه لنفسه دون البيع ومنه: القنية وهي: ما اقتنـي من شاة أو ناقة أو غيرهما. عمدة القاري [12/157].
(2) الضاري من الكلاب: ما يهيج بالصيد. قال الحافظ: ضار الكلب وأضراه صاحبه: أي: عوده وأغراه بالصيد.
(3) وهذه الزيادة في حديث ابن عمر تردُّ على من ادَّعى أنَّ ابن عمر أنكرها.
وقد وافق أبا هريرة وابنَ عمر سفيانُ بن أبي زهير الصحابي فقد سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص كل يوم من عمله قيراط) رواه البخاري [5/6]و مسلم [10/241].
وقال النووي: ولو انفرد بـها - أي: أبو هريرة -لكانتْ مقبولةً مرضيَّةً مكرَّمةً. شرح مسلم [10/236].
(4) شرح مسلم [10/236].وأيده ولي الدين العراقي في طرح التثريب [6/28].
(5) مجموع فتاوى ابن عثيمين [4/246].
(6) قال ابن حزم: وقد أدرك أحمد من أهل العلم كثيراً. المحلى [6/174].
(7) انظر طرح التثريب [6/29] و المحلى [6/174].
(8) ورجّحه النووي في المجموع [9/279].
(9) ورجّحه النووي في المجموع [9/279] وابن قدامة في المغني [6/357] وابن عبد الهادي في الإغراب [ص211].
(10) وهذه الفوائد تصلح لجميع الأحاديث التي في الباب.
(11) قال البخاري: باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل.
(12) ويرجِّح هذا التفسير حديث: الجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ . رواه مسلم [14/94]، وكذا الحديث الآتي في (ب).
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق