الكلب من الحيوانات الأليفة التي عرفها الإنسان منذ زمن بعيد. وهي حيوانات تختلف كثيراً في الحجم والشكل والمنافع. وقد لا يوجد على وجه الأرض حيوان ثديي، يختلف في شكله وحجمه ولونه وخصاله مثلما تختلف الكلاب. ويوجد منها في أنحاء العالم ما يربو على 400 سلالة، وهذا العدد يزيد يوماً بعد يوم ما استمر الإنسان في استنباط سلالات جديدة، لاستخدامها في المعارض والمسابقات والرياضة وحراسة المنازل والأعمال الحربية والبوليسية وأعمال أخرى كثيرة يصعب حصرها. والكلب من أكثر الحيوانات حباً ووفاءً للإنسان.
التصنيف البيولوجي
ينتمي الكلب Canis familiaris، إلى شعبة الحبليات ـ شعيبة الفقاريات ـ طائفة الثدييات ـ رتبة آكلات اللحوم ـ الفصيلة الكلبية، التي تضم الثعلب والذئب وابن آوى ولكنه من جنس ونوع الكلاب.
نبذة تاريخية
يُرجّح العلماء أن الكلاب تم استئناسها منذ أمد بعيد لا يقل عن عشرة آلاف سنة، وكان ذلك في شمال إيران ويعتقد بعض الباحثين أنها انحدرت من الذئب الآسيوي، عندما احتفظ إنسان العصر الحجري بجراء الذئاب وعُني بتربيتها. ثم ما لبثت بمرور الأجيال أن استؤنست ونشأت منها الكلاب، التي تشبه أسلافها من حيث القوة والتركيب الجسماني وشكل الأسنان. بينما يؤكد علماء الإيثولوجيا (السلوك) أن أصول الكلاب الحالية ترجع إلى نوع من الكلاب البرية، اختفى منذ زمن بعيد من على سطح الكرة الأرضية.
وقد وجدت حفريات في سيبيريا تشير إلى وجود حيوانات شبيهة بالكلاب في صحبة الإنسان، منذ ما يزيد على ستين ألف سنة. وهناك دلائل أخرى على وجود كلاب مستأنسة في مناطق شاسعة، تمتد من اسكتلندا والدانمارك وألمانيا وسويسرا إلى الشرق الأوسط في زمن العصر الحجري الحديث، الذي ابتدأ منذ حوالي 9000 سنة قبل الميلاد. وفي سويسرا أكد تحليل الآثار، التي تعود إلى 8000 سنة قبل الميلاد، أن أنواع الكلاب قد اختلفت في حجمها وشكلها عما هو معروف حالياً. وتؤكد الدراسات أن اقتناء الكلاب الصغيرة في المنازل عادة قديمة جداً.
وتختلف أطوال الكلاب وأوزانها وأحجامها وأشكالها اختلافاً شديداً، باختلاف السلالات التي تبلغ أكثر من 400 سلالة موزعة على جميع أنحاء العالم. وهذا العدد يزداد يوماً، بعد يوم حيث تستنبط سلالات جديدة ذات إمكانات متباينة ومواهب متعددة.
وقد عرف الغرب العديد من السلالات من خلال التزاوج المقنن. فهُجّنت مئات السلالات، ولكل سلالة منها قدراتها الخاصة وصفاتها الجسمية. وتتميز بعضها بصفات خاصة بها. فمثلاً التشاو تشاو له لسان أسود، والمكسيكي الأجرد لا شعر له سوى رقعة صغيرة في قمة رأسه. وغطاء جسم الشاريي خشن الملمس، أمّا جلد صغاره فيكون فضفاضاً لدرجة أنه يبدو واسعاً جداً بالنسبة لجسم الكلب. بينما نجد أن البازنجي، ومنشؤه أفريقيا، هو الكلب الوحيد الذي لا يستطيع النُباح.
الكلاب والفراعنة
تعكس النقوش على الآثار المصرية، اهتمام الفراعنة بالكلاب واحترامهم لها. وتشير هذه الرسوم إلى وجود سلالات نقية، مثل الكلب السلوقي، مما يؤكد الاهتمام بوجود سلالات غير مخلوطة أو مهجنة. وقد استخدم الفراعنة الكلاب لصيد الظباء والطرائد الأخرى، وكذلك في الحراسة بل وفي الحرب. و يعتبر الكلب الفرعوني أحد اقدم سلالات الكلاب في العالم، وقد وجدت أشباه تلك الكلاب على جدران مقبرة الفرعون أنتيفا الثاني، الذي يرجع تاريخه إلى عام 2300 ق . م. وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد أحضر الفينيقيون كلباً فرعونياً إلى جزيرة مالطة، وقد استوطنها حتى العصور الحديثة.
وكانت الكلاب الفرعونية ملساء يبلغ ارتفاعها من 53 إلى 70 سم، وتزن من 15 إلى 23 كجم. فراؤها القصير المنبسط اللامع أسمر ضارب للصفرة، أو أحمر قان. وكان لها أطراف أصابع بيضاء في القدم وعلى صدرها رسم أبيض مثل النجوم، وطرف ذيلها الشبيه بالسوط أبيض اللون أيضاً. وكثير منها لها خط أبيض أعلى منتصف الوجه.
ويحمر لون الكلاب الفرعونية عندما تنفعل، أي أن أنفها وأذنيها المنتصبتين تتغير إلى اللون الوردي الداكن، علماً بأن لون أعينها يُشبه لون الكهرمان. وقد اشتهرت الكلاب الفرعونية بقوة حاستي البصر والشم في الصيد، وهي تتحرك في سرعة ورشاقة كما أن عضتها قوية.
الكلاب الأليفة
تُستخدم الكلاب في كثير من الأغراض، ولكل غرض مجموعة من السلالات تُناسب كفاءتها الغرض المطلوب تحقيقه. فهناك كلاب للحراسة، وهي تتميز بالإخلاص والذكاء واليقظة والقدرة على السهر، وعدم تناول أي مأكولات أو مشروبات من الغرباء مهما بلغت درجة جوعها أو عطشها. كما أنها سهلة التدريب، ولها صوت عالٍ حتى تنبه أصحابها إلى أي دخيل.
كذلك هناك سلالات الكلاب الحربية، وهي تتميز بالجسم الضامر، والسرعة الفائقة، والقدرة على القفز والهجوم ومعرفة الأهداف، وتمييز الأعداء، وسرعة الأداء دون أن يصدر عنها صوت ينبه العدو لوجودها.
أمّا كلاب العرض، أي التي تشترك في المعارض، فتتميز بصغر حجمها، وجمال تكوينها، ورقة ودقة أجسامها، ونعومة أصواتها. وهذه السلالات تشعر بجمالها، فتراها تمشى في دلال، وتتحرك في ليونة وخفة.
وتعتبر الكلاب التي تقود مكفوفي البصر من المعجزات، وهي غالية الثمن، من سلالة لابرادور، وتعي واجباتها بعد تدريبها لمدة 3 شهور فقط. وتعرف الطرق و إشارات المرور وأماكن عبور المشاة ومساكن أصحابها، بل تعرف أماكن التسوق. والأغرب أنها تعرف أرقام الحافلات التي يركبها أصحابها، فتراها لا تقفز إلاّ في المركبة التي يريدها صاحبها، وتغادرها في المكان المطلوب تماماً، فتبارك الله احسن الخالقين.
وهناك الكلاب المنزلية، التي تُصاحب أفراد الأسرة وتعرف أصدقاءهم وضيوفهم، كما تعرف أعداءهم أو الأغراب عنهم، فتهاجمهم. كما أنها مدربة على قضاء حاجتها خارج المنزل.
أمّا الكلاب البوليسية، فلها قدرة شم أكثر من الكلاب الأخرى، ولها قدرة كبيرة في التمييز بين الروائح، فهي عندما تشم أثر لشخص من الأشخاص فإنها تستطيع أن تتتبعه عدة كيلومترات، كما تستطيع أن تكتشف رائحة المخدرات مهما بلغت دقة إخفائها. ويؤخذ بما ترشد عنه هذه الكلاب كقرينة في القضاء، عند محاكمة المهربين أو القتلة والسفاحين.
وتعتبر كلاب الرعي من أهم العوامل المساعدة على رعي الأغنام، في البلاد ذات المراعي الشاسعة. فهي تحرس الأغنام من الضواري والجوارح واللصوص، كما أنها تجمعها في المناطق التي يحددها الرعاة نهاراً، وتقودها إلى حظائرها عند مغيب الشمس أو هطول الثلوج. وكثيراً ما تكتشف هذه الكلاب أماكن الأغنام إذا غطتها الثلوج، فيجرى إنقاذها قبل أن تنفق.
ومن أغرب سلالات الكلاب من نوع لابرادور، تُنقذ الغرقى وتساعدهم في الوصول إلى بر الأمان، وهي تجيد السباحة وتطفو على الماء بما عليها من فراء سميك يمنع عنها البرد، ويهيئ لها القيام بمهمتها خير قيام.
وهناك قصص كثيرة عن بطولات قامت بها الكلاب، نال بعضهم عنها جوائز وأقيم لآخرين تماثيل لتخليدهم، فبعض الكلاب اقتحم النيران لإنقاذ أطفال صغار، وبعضهم هاجم ثعابين سامة وقتلها فأنقذ صاحبه من موت محقق.
وفي المجتمع الغربي تُستخدم الكلاب أحياناً في مجال الطب، فيستخدمون آلاف الكلاب في التجارب سنوياً، وبهذه الطريقة ساعدت الكلاب العلماء في تطوير أدوية مفيدة، وطرق جراحية جديدة، ولكن بعض الناس يظنون أنه من القسوة استخدام الكلاب، مثل سائر الحيوانات، في التجارب المعملية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق